الخميس، 29 سبتمبر 2011

قلوب متوافقة النغمات

قلوب متوافقة النغمات

لا يمكن ان يوجد المسيحي في ضيقة ولا يجد المسيح كفواً لها , كما أنه لا يمكن ان يسير في طريق طويلة مظلمة حيث لا يجد كفايته في شخصه المبارك . فراحة الله هي حيث يجد لشعبه راحة تامة . وهل تظنون  انه يمكن لله ان يجد راحة في هذا العالم ؟ وهل وجدتم أنتم راحة فيه ؟ فمع أن محبة المسيح له المجد قد تسامت فوق كل الشرور , إلا أنه لم يستطع ان يستريح , وعندما اتهمه اليهود بكسر وصية يوم السبت قال هذه الكلمات الحلوة الجميلة , "أبي يعمل حتي الأن وأنا أعمل" (يو 5 : 17) نعم , فهل كان يمكن للمحبة أن تستريح في وسط عالم الشقاء والويلات ؟

ولكن عندما يتغير جميع القديسين الي صورة المسيح في المجد , يسكت (يستريح) الله في محبته كما هو مكتوب في (صفنيا 3 : 17) (ويمكن تطبيق هذا علي انفسنا ايضاً) , ويري من تعب نفسه ويشبع , وسوف لا يكون هناك ما يمنع من التمتع بمحبة الله ومجده .

ما أمجد المستقبل المنير المبارك الذي أمامنا , حين تتم كل نتائج الفداء ويستريح الله لأن محبته لم يبق أمامها شء لتعمله لتشبع به نفسها , أما الأن فيريد الله ان تكون قلوبنا متوافقة مع قلبه في حياتنا اليومية , ولذلك يقول في (تث 8 : 2) ” وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ" فكأن الله يقول "ليتحدث قلبي الي قلبك قليلاً , فسأبين لك وأريك أني أعرفه جيداً" لقد أتي بنا الي نفسه ولذلك لا يمكن ان يستقيم أمرنا ما لم نكشف له كل ما في قلوبنا .

هل تظن أن أباً يحب أن قلبه يختلف كل الاختلاف عن قلب ابنه ؟ كلا بل علي عكس ذلك يريد أن روح ونفس وفكر ابنه تكون متفقة تماماً مع فكره لذلك يسير بنا الرب في البرية لتدريبنا علي هذا , يقول بولس الرسول " لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ" (أع 24 : 16) وخلاصة هذا التدريب هي هذه : هل قلبه متفق في كل شئ مع قلب الله ؟ لقد كان قلب ربنا يسوع كذلك ومن ثم استطاع ان يقول دائماً " لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ" (يو 8 : 29).

لقد سار أخنوخ مع الله ونال الشهادة بأنه أرضي الله , كان سائراً في حضرته فكانت النتيجة أنه أرضاه , وأنت لا يمكنك ان تسير مع الله دون ان ينكشف له كل ما فيك , فإن كان علي ضميرك شئ لا يمكنك ان تكون سعيداً في حضرته , وكل خطوة نخطوها معه ترينا شيئاً أكثر من صفاته , وكلما تقدمنا يزداد النور فنري أشياء جديدة يجب ان تدان لم نكن نعرف قبلاً بأنها تستحق الحكم ولكنها ظهرت الأن بحسب ازدياد معرفتنا لمجد الله .

مكتوب "لكي يذلك" ليري ما في قلوبنا ويقودنا الي العيشة بالإيمان "فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ الْمَنَّ" ألا تسأم نفوسنا أحياناً من هذا الطعام ؟ ألا يحدث أحياناً أن المسيح لا يشبع قلوبنا ؟ نعم متي كان القلب ساعياً وراء شئ أخر فلا يمكن أن المسيح يشبعه .

" لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ" لقد اقتبس المسيح هذه الكلمات وواجه بها الشيطان في البرية إذ لم يكن لديه امر بتحويل الحجارة الي خبز , وقد كان أخذاً صورة العبد ليفعل إرادة الله , " وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (1بط 1 : 25) , هذا هو ما يستند عليه الإيمان , ولنلاحظ شيئاً اخر وهو أنه حينما كان الشعب مستنداً علي كلمة الله لارشادهم لم يسمح الله لثيابهم أن تبلي , إذا كان مهتماً بكل ما يخصهم لأنه "َلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ" (مز 37 : 28) كما هو مكتوب  , ولا يصرف نظره عنهم لحظة واحدة " لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ الْبَارِّ" (ايوب 36 : 7) .

ثم نأتي الي وجه اخر من الموضوع " كَمَا يُؤَدِّبُ الإِنْسَانُ ابْنَهُ قَدْ أَدَّبَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (تثنية 8 : 5) فأول كل شئ يجيزنا الرب في ظروف فيها يدربنا (وفي اثناء ذلك يطعمنا ويعتني بنا) ثم يأتي بنا الي التدريب علي كسر الارادة , ونحن نشاهد الله يفعل ذلك كل يوم , ولكن الإنسان لا يعرف أين هو ويتساءل هل الله الذي يفعل معه كذلك يحبه حقيقة , أنظر إلي (رومية 5) , فهناك نري ان الله يحبنا كما يحب المسيح وأننا نفتخر علي رجاء المجد حيث المسيح , ولكن ليس ذلك فقط – لا نفتخر علي رجاء مجد الله فقط , بل نفتخر ايضاً في الضيقات لأن الله لا يحول نظره عنا فيها , فضلاً عن ذلك فإنها تجعل الرجاء اكثر لمعاناً لأننا نقول أن راحتنا ليست هنا والرجاء يجعلنا لا نخزي إذ نجد المفتاح لكل هذا في محبة الله التي انسكبت في قلوبنا.

هذا هو طريق الله أن يجعلنا نعرف أنفسنا وهذا هو عمله أيضاً , ولا يوجد مجال للتساؤل عن محبته لأنه اعطانا المفتاح لهذه كلها , وكيف أثبت الله محبته ؟ هذا ما نراه في العدد التالي "المسيح ... مات .... لأجل الفجار" (رو 5 : 6) ثم يقول الرسول "وليس ذلك فقط" ماذا أيضاً ؟ "بل نفتخر أيضاً بالله" لأن الله يجعلني أعرف نفسي وأعرف نسياني لله , ولكن بهذه الطريقة يعلمني ان أفتخر بالله .

فالله يكسر ارادتي ويذل قلبي لكي يجعله متوافقاً معه , الإنسان الطبيعي يقول "أين أهرب من وجهك؟" ولكن في نهاية مزمور 139 يقول "اختبرني يا الله واعرف قلبي" هل قلبي متفق مع مقدار ما وصل الي معرفة للأمور الإلهية ؟ وهل استطيع ان أقول "اختبرني" ؟ إنها كثيرا ما تكون عملية مؤلمة ان يهديني الله "طريقاً أبدياً" .

أيها الاحباء يوجد طريق أبدي وفي هذا الطريق الأبدي يأتي الله ويمتحن القلب فهل ترضي بأن يختبر الله كل باعث وكل محرك في داخلك ؟ يجب أن ترضي إذا أردت ان تكون شركتك مع الله وفرحك فيه كاملين غير منقطعين .

" لِكَيْ يُحْسِنَ إِلَيْكَ فِي آخِرَتِكَ" (ع 16) أيها الاحباء إذا كانت قلوبنا تسير في سلام وشركة مع الله فلابد أن نتعلم أنه ليس فينا شئ صالح ونعرف الله في كمال محبته وفي هذا فرح وتمت لنا في الوقت الحاضر , وعندما يأتي الموت نعتبرها أسعد لحظة حين " نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ " (2كو 5 |: 8).

أيها الاحباء إذا أردتم ان تمجدوا الله وتسيروا في شركة مع الأب ومع الابن فيجب أن تتغلغلوا في معرفة الذات وأن تدربوا ضمائركم لكي تكون بلا عثرة وأن يكون المسيح في أعماق عواطفكم , وأن تكون سيرتكم بين الناس حسنة غير ملومة , يجب ان تتعلموا طرق الله معكم حتي تتوافق قلوبكم مع قلبه .

ياليت الرب يعطينا نعمة أن نعرف اكثر معني السير معه حتي يكون لنا نوع السلام الذي كان للمسيح في سيره هنا – سلام القلب الذي يختبره المؤمن في الشركة مع الأب والابن , وليت الله يعطينا ان نعرف معني جعل كل شئ في قلوبنا مكشوفاً أمامه !.

زدني اقترابا منك بالقلب                أنت الذي بالحب ترعاني
من قلبك انهار ذا الحب                 ضاءت فبارك وزد ربي إيمان

يوحنا داربي

هناك تعليق واحد:

عاطف فهيم يقول...

نشكر الرب لاجل تلك الكلمات المباركة
يارب ساعدنا لكي نعيش بقلوب متوافقة مع قلبك