الاثنين، 15 أغسطس 2011

التوجه الصحيح في التواصل مع الاخرين (2)

إيـلــيا
وكما قلت سأوضح كلتا الحالتين برمز من العهد القديم , ولتوضيح الحالة الأولي اريد ان اتأمل في ايليا , وهو يوضح لنا كلا هذين الاتجاهين الخطأ اللذان تحدثنا عنهما , ولننظر الي (1مل 19 : 1-10) "وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. ٢ فَأَرْسَلَتْ إِيزَابَلُ رَسُولاً إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ: «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا». ٣ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ وَمَضَى لأَجْلِ نَفْسِهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ الَّتِي لِيَهُوذَا وَتَرَكَ غُلاَمَهُ هُنَاكَ. ٤ ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي». ٥ وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ».٦ فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. ٧ ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ».٨ فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ، ٩ وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمُغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا. َكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ١٠ فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا».
كان ايليا محبطاً وايضاً انتفخ بالكبرياء , واحباطه كان بسبب بنو اسرائيل الذين تحولوا الي عبادة البعل التي اتت به ايزابل , وقد سعي ايليا بكل شئء ممكن لكي ينحي الشعب عن تلك العبادة الباطلة , ولم يفلح , فمع انه قد ذبح انبياء البعل , ولكن لازال الشعب قلبه متعلق به , وهذه المرأة الشريرة ايزابل التي كانت تتحكم في الامبراطورية كانت تسعي وراء ايليا لقتله , وياله من يوم كان ايليا محبطاً فيه جداً علي الرغم من انه كان يريد ان يرضي الرب , ولم يستطع ايليا ان يكمل ولكن ايمانه قد فشل , وبالتالي هرب لأجل حياته , ففي اصحاح (17) وقف امام الله , وفي اصحاح (18) وقف قدام اخاب وكل شعب اسرائيل , لكن في اصحاح (19) هرب من امرأة .
فيترك ايليا ارض اسرائيل ويمضي منعزلاً وحده ,  واضطجع تحت الرتمة في غاية الاحباط ولكن الجميل أن نري الرب يعتني به عناية خاصة , فيأتي الرب بالنعمة ويتقابل مع ايليا في احباطه ويعطيه مؤونة ليقويه حتي يقدر ان يعود الي ارض اسرائيل ويستمر كنبي للرب , ويرسل الرب ملاك ليأتي بطعام لإيليا , ولكن إيليا يستمر في خطأه ,  وقد سار في طريق طويل الي جبل سيناء الذي اعطي الرب الناموس عليه واستمر الي ان دخل المغارة لينزوي بعيداً عن الكل .
وطبعاً هذا الانزواء ليس حسناً بالطبع , ونحن غير مدعوين بان ننعزل , لأن الكتاب يخبرنا " غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ " (عب 10 : 25) , واستسلم ايليا لاحباطه وهذا جعله ينزوي بعيداً بفعل الارادة الذاتية , فقد اخذ الطعام والماء الذي اعطاه إياه الرب مستخدماً له بذهابه بعيداً عن مكان الشهادة ! , فالله يعرفنا جيداً ويعرف ان يشجعنا في وقت احباطنا ويقترب الينا بطريقة خاصة , ولكن لنعلم ان كنا نسير في طريق فعل الااردة الذاتية فإننا نتوقع ان الرب سوف لا يٌسر بنا , وإيليا يوضح لنا هذا الاتجاه تماماً في احباطه .
وفي عدد (10) عندما يتحدث اليه الرب يظهر اتجاه كبريائه قائلاً "قد غرت غيرة للرب إله الجنود" . ولاحظ هنا انه يتحدث عن غيرته وأمانته الخاصة , فنجد هنا الأنا وعملها المريع , فقد كان مفتخراً بأمانته وهذا  ليس حسناً , ويستطرد فيقول ٍلأن بني اسرائيل قد تركوا عهدك , ونقضوا مذابحك وقتلوا انبياءك بالسيف" وقد كان هذا حقيقياً تماماً , لكنه يجد من عدم امانة اخوته سبباً لادانتهم , وهذا ليس بصالح , وبعدها يستطرد قائلاً  "فبقيت انا وحدي" وهنا يعتقد انه هو الوحيد الذي في حالة صحيحة ! , وهذا امر محزن فلم يكن له روح صحيحة , وقد اخبره الرب انه ليس هو الوحيد الذي في حالة صحية , ولكن كان للرب "سبعة الاف في اسرائيل" الذين لم يحنوا ربكة لبعل (عدد 18) , وهذا يظهر لنا انه في أحلك الأوقات نجد ان الرب له خاصة تسير معه .
ونري هنا أن تلك الروح من الكبرياء وهي خطيرة جداً , ونري موقف الرب من تلك الروح هنا , فهو ينحي ايليا كنبي له ! , فأيام الخدمة الجهارية لإيليا في اسرائيل قد عبرت , وأخبره الرب أن يذهب ليمسح أليشع نبي عوضاً عنه (عدد 16) , والدرس الهام الذي يجب ان نتعلمه هنا هو ان الله لا يستطيع ان يستخدمنا إذا كنا نشعر بتفوقنا أو سمونا , ولعل بولس كان يخشي علي تيموثاوس من ان يسقط في هذا التوجه , لأنه إذا كانت له هذه الروح السيئة فسوف لا يكون مفيداً للشهادة المسيحية ولذا اعطاه تلك النصيحة "الرب يسوع المسيح مع روحك" .
فمن الممكن ان يكون لنا هذا الاتجاه مثل إيليا ويبعدنا عن الاجتماع , لأنه من الجائز ان يغربلنا الرب ان كان لنا تلك الروح وسأعطيك شاهد يوضح ذلك " لأَنِّي حِينَئِذٍ أَنْزِعُ مِنْ وَسَطِكِ مُبْتَهِجِي كِبْرِيَائِكِ، وَلَنْ تَعُودِي بَعْدُ إِلَى التَّكَبُّرِ فِي جَبَلِ قُدْسِي. ١٢ وَأُبْقِي فِي وَسَطِكِ شَعْبًا بَائِسًا وَمِسْكِينًا، فَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ" (صف 3 : 11-12) ياليتنا ايها الاخوة ان يكون لنا الروح الصحيحة في كل الأوقات

الروح الصحيحة خلال مواقف الشدة في الاجتماع المحلي

(في 4 : 23) دعونا نتأمل في كلمات بولس الي فيلبي "ٍنعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم (روحكم)"
والقرينة هنا تشير الي شئ مختلف تماماً عما جاء في تيموثاوس الثانية , لأن وحدة الكنيسة في فيلبي كانت مهددة ولذا قد ختم بولس الرسالة بهذا التحريض , فكان هناك في فيلبي أختان علي غير وفاق (في 4 : 2) , وبولس قد علم ذلك وإذا لم يهتم جيداً بالامر فيمكن للاخوة في فيلبي ان ينقسموا هناك الي قسمين , ويمكن لاحد ان يسأل انه مجرد اختلاف في الفكر بين اختين فكيف يمكن لهذا الشئ البسيط ان يؤثر علي الكنيسة هكذا ؟ ان هذا يبيِّن كيف ان المشاكل التي في الاجتماعات قد تبدأ بشئ صغير , فنحن نؤثر احدنا في الاخر سواء ادركنا هذا أم لم ندرك , ويقول الكتاب , " لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ، وَلاَ أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ" (رو 14 : 7) , وقدم بولس لأهل فيلبي العلاج لهذه المشكلة , لكي لا تؤدي الي نتائج سيئة , فيقول " إِذًا يَا أَحِبَّائِي، كَمَا أَطَعْتُمْ كُلَّ حِينٍ، لَيْسَ كَمَا فِي حُضُورِي فَقَطْ، بَلِ الآنَ بِالأَوْلَى جِدًّا فِي غِيَابِي، تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ" (في 2 : 12) , ان هذا يشير الي الجانب العملي من الخلاص الجماعي للكنيسة الذي كان يجب علي اهل فيلبي ان يتمموه مع بعضهم البعض في غياب الرسول بولس .
كثير من المسيحيين يفهمون هذا العدد خارج عن قرينته , فهم لا يدركون انه توجد انواع عديدة من الخلاص في الكتاب , فعندما تأتي كلمة خلص أو خلاص , فهم يتصورون انه يجب ان يشير الي خلاص النفوس من الخطايا كما هو معلن في الانجيل , فهم يستنتجون ان الرسول كان يتحدث مع اهل فيلبي عن الخلاص الذي قبوله بالإيمان والذي يظهر في حياتهم ليراه الاخرين , والناس يقدرون ان يدركوا انهم مؤمنين حقيقيين بالرب يسوع , وهذا فكر جميل , ولكن هذا العدد لا يحدثنا عن ذلك لأن القرينة هنا لا يراد بها ذلك .
ولكن الموضوع هنا يتحدث بطريقة عملية عن الخلاص الجماعي للكنيسة من هجمات العدو , فالشيطان كان متربصاً للكنيسة هناك كي يدمرها من خلال كسر الوحدة بينهم وزرع الانشقاقات , ويمكننا ان نسأل "كيف يمكنهم ان يتمموا خلاصهم؟" فقد اخبرهم الرسول في الاصحاح الثاني ان العلاج هو في اتباع الرب يسوع في اتضاعه كالمثال الكامل و انكار الذات (الاعداد من 5 – 8) ولذا قال الرسول انهم يحتاجون ان يتبعوا نفس المثال حتي يتمموا خلاصهم بين بعضهم البعض .
وأنا اعلم جيداً ان الكنائس تواجه مشاكل واضطرابات عديدة من وقت الي اخر ولكن لا يأتي من خلال بطل مغوار يأتي بسيف الي الكنيسة , كلا فالله لا يسمح بأن يأتي اخ زائر من خارج الاجتماع المحلي لكي يتأتي لهم بالنصرة , ولكنه يرغب من هؤلاء الذين هم اعضاء الاجتماع المحلي ان يتمموا خلاصهم فيما بينهم عن طريق ان يتبعوا طريق الرب الذي هو المثال الكامل للتواضع , لأنه نزل ونزل ويذكر في هذا الاصحاح انه نزل سبع مرات , واني لا اتردد ان اقول ان الكنيسة في فيلبي كانت بصفة عامة في حالة جيدة , ولكن كان يداهمهم خطر كسر الوحدة .
وكثير من المشاكل والاضطرابات في الكنائس تأتي من أمور بسيطة جداً مثل كلمات تقال بدون تحفظ ففي (امثال 18 : 8) "كلام النمام مثل لقم حلوة وهو ينزل الي مخادع البطن" وأحياناً الكلمات تسبب جرح للمشاعر , وفي احيان كثيرة الناس لا يقدرون ان يتغاضوا عنها , فالنميمة شئ في منتهي الخطورة , فيا اخوتي يجب ان نتحذر جداً من هذه العادة , وأود ان أحذر نفسي قبل أن أحذركم , ويوجد مثل قديم (ليس في الكتاب) يقول "من يتحدث بسؤ عن شخص ما إليك سوف يتحدث عنك لأخر بعد ذلك"  وهذا حقيقي .
"تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" ياتري الخوف من ماذا ؟ نحن نحتاج ان نخاف من العدو في وسطنا لأنه يريد ان يحطم كل سعادة وسلام , ويوجد الجسد الذي فينا وهو قادر علي ان يحطم كل الاجتماع ! , والشيطان يريد ان يستخدم الجسد الذي فينا ليصل الي تلك الغاية ان امكن .
ان العدو الاول للوحدة هو حب الظهور والارتفاع , وهذا لا يجب ان يكون له مكان في الاجتماع , فنحتاج الي ما يقوله بولس هنا "حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" وأفضل ايضاح لهذا نجده في حزقيا النبي عندما يقول في (حز 14 : 14) "وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة نوح ودانيال وايوب ...." فهو قد وضع دانيال الذي كان معاصراً له وقت كتابة تلك النبوة بنفس القدر مع اباء العهد القديم فتحدث عن نوح ودانيال وايوب , ولم يكن هناك اية غيرة في قلب حزقيال , فهو كان يحب دانيال ويقدِره وتحدث عن تكافؤه مع نوح وايوب , وهذه الروح التي نحتاجها ايها الاخوة في اجتماعنا اليوم , فيكون لنا نفس الموقف تجاه اخوتنا .
فنحن يجب ان ننزل الي اسفل ونأخذ المكان الاخير فعندما تحدث أي مشكلة في الاجتماع الحل الامثل لكل واحد هو النزول أي ان نأخذ ادني مكان وندع الاخوة يتخطون فوقنا .
(يتبع)

ليست هناك تعليقات: