الخميس، 12 ديسمبر 2013

الابوة من منظور الهي

الابوة من منظور الهي

ما هي الأبوة، وما هو الأب الناجح؟

نحيا في مجتمعاً الذي يضع تعريفاً لكل شيء، ليس تعريفاً رسمياً مكتوباً ومنطوقاً وموقع عليه من الجميع، ولكنه تعريفاً حسبما أتفق. سوف أضع تعريف المجتمع والعالم للأب، ولكنه تعريفاً خاطئاً.

التعريف العالمي الخاطئ للأب الناجح:
{{هو ذاك الذي يقود عائلته لحياة سعيدة ويوفر لهم حياة كريمة ويعمل له أولاده ألف حساب، وتتطيعه زوجته الجميلة في كل شيء، ونتيجة تربيته لأولاده يصيرون أطباء ومهندسون ورجال أعمال ناجحون ويمتلكون سيارات وفيلات ويسافرون للتعلم في الخارج ويتزجون زوجات وأزواج من نفس عينتهم الإجتماعية}}
آه كم هي سطحية هذه النظرة… ولكنه للأسف النظرة السائدة… حتى بين المؤمنين الحقيقيين.

والآن هل هناك تعريفاً كتابياً للأب الناجح ذو العائلة السعيدة؟

يقول كاتب المزمور: “طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ، وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ. لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ، طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. هكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ. يُبَارِكُكَ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَتُبْصِرُ خَيْرَ أُورُشَلِيمَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ، وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ. | مزمور 128″

وهكذا يصف الحياة السعيدة بحسب فكر الله. لم يقل أنها سوف تكون غنية بالمال والوفرة والغنى والصحة. لكنه قال أن مقوماتها هي رجل يتقي الرب، إمرأة مثل الكرمة المثمرة، بنون مثل غروس الزيتون، أحفاد مثل هؤلاء الأبناء.

الأبوة الحقيقية تبدأ وتستمر في التقوى ومخافة الرب
ولكي تكون مطوباً أو سعيداً يجب أولاً أن تكون تقياً تتقي الرب وتحفظ وصاياه وتعيش سالكاً في طرقه. فإن لم تكن رجلاً قد إختبر نعمة الله وصار إبناً حقيقياً لله يعيش في ضوء حق الله ويسلك كما يحق للإنجيل، فلن تستطيع أن تساعد عائلة ما في أن تصير عائلة سعيد.
إن أعظم ما يمكن ان يعطيه الأب لأولاده ولعائلته هي أن يقودهم لمعرفة حقيقية لله. وأن يقودهم في سلوكهم اليومي معه ويرشدهم في هذا الإتجاه. وأن يعطيهم عصارة خبرة مسيرته مع الرب. ويبدو من سفر الأمثال كيف يعلم الأب ولده ما قد إختبره إذ يقول “يَا ابْنِي، لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَكَأَبٍ بِابْنٍ يُسَرُّ بِهِ. | أم 3: 11-12″

الأبوة الحقيقية تكون في إنطباع صورة الآب السماوي في حياة الأب

ولكن، لو تأملنا جيداً في هذا العدد من كلمة الله، نجد أن الأب أولاً ينصح ولده بأن لا يتحقر تأديب الرب وتوبيخه، ويؤكد أنه إختبر أن هذا أمر يفعله الله مع من يحبه. ولكنه يعود ويؤكد أن الذي يحبه الرب يسر به كأبٍ بإبنه. وكأن به يقول {{يا ولدي ألا ترى كم أحبك وأسر بك، فكما أحبك وأسر بك هكذا يسر الرب بأولاده، وكما أؤدبك هكذا يؤدب الرب أولاده}}. آه، يا لها من مسئولية عظيمة مهيبة.

إن الأب هنا يحب أولاده. ويسر بأولاده. ولذا إستطاع أن يضرب لهم مثلاً ممثلاً علاقة الإنسان بالله كعلاقة الأب مع ولده. فهل يا قارئي العزيز يستطيع أولادك أن يقولوا أنك تحبهم وتسر بهم. هل تشاركهم ألعابهم مسروراً؟ هل تشاركهم إهتماماتهم؟ هل تضحك معهم وتداعبهم؟ هل تحتضنهم وتدغدغ مشاعرهم بلمساتك الرقيقية؟ هل تحرص على ما يسرهم؟ هل تعلم ما يسرهم في الأساس وتعمله لهم؟

هل تبدي لهم المحبة؟ يقولون أن كلمة محبة بالنسبة للأطفال هجائها كالتالي:
{{و ق ت}}
فالولد أو البنت سوف يدركون أنك تحبهم لما تعطيهم الوقت. ليس الوقت الذي أنت مضطر لأن تقدمه لهم في أن تذهب معهم للطبيب مثلاً وقت مرضهم، وإن كان هذا أمر هام، ولكن الوقت الذي يستمتعون به. أن تلعب معهم الكرة. أن تتأمل رسوماتهم التي لا معنى لها عندك. أن تستمع لحكاياتهم مع أصدقائهم. أن تكون صديقاً لهم.
وإن فعلت هذه يمكنك بكل ثقة أن تؤدبهم وهم واثقون في أنك تحبهم. لهذا قال الكتاب “أَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ | أف6: “4 إن التأديب من شخص محب متفهم يعطي إحساساً بالأمان والثقة. أما التأديب من شخص قاس لا يظهر سوى وقت العقاب ولا يبدي لهم سوى وجهاً متجهماً لم يروا غيره قط فهو أمر ينتج أشخاصاً مرضى ويجعل من الأب حاكماً بأمر الله يجب تجنبه والإلتفاف حوله. وهو أمر يعطي فقداناً للأمان والثقة وكراهية للمنزل وللعائلة وتوجه للتهرب من التواجد مع العائلة.


الأبوة الحقة تكون في المسير في الإيمان:
ويقول الكتاب عن الرجل الخائف الرب “فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ، وَيَكُونُ لِبَنِيهِ مَلْجَأٌ. | أم14: 26″ فالرجل المتعلم مخافة الرب يكون لديه ثقة شديدة وإيمان قوي، ولذا فهذا الرجل يحمي عائلته فيجدون في مثاله الصالح بالثقة في الرب الناتجة من مخافة الرب ملجأ لهم. يتعلمون على يديه أن يثقوا في الرب ثقة شديدة بمخافة الرب.
تأتي الرياح وتعصف بسفينة العائلة. يأتي المرض والضيق والفقر والتهديدات، وتجد العائلة أباً لا يطرح ثقته في الله (عب10: 35). يجدون رجلاً من رجال الله في وسطهم. يأتي العدو يطرح حلولاً للتخلص من الضيق، يقول {{قدم رشوة… أكذب كذبة بيضاء… إنتقم لنفسك…}}. ولكن رجلنا لا يلين ويأبى أن يقدم تنازلات للعدو لكيما يتخلص من المخاوف والضيقات. كم تستريح زوجة وأولاد وبنات في تقي مثل هذا. كم يكون بإيمانه وبثقته ومخافته للرب ملجأ لهم. سيتذكر هؤلاء الأولاد طوال الحياة في مواقف الضيق التي ستلم بهم صورة أبيهم وهو ممسكاً بالثقة ومتمسك بالرب ورافض لكل الحلول التي يقدمها العدو لكي يتخلص من الضيق ويهين الرب.

الأب الكتابي لابد أن يكون مثالاً سلوكياً لأولاده.

ويقول الكتاب “اَلصِّدِّيقُ يَسْلُكُ بِكَمَالِهِ. طُوبَى لِبَنِيهِ بَعْدَهُ. | أم20: 7″ أن الرجل الصديق السالك بالكمال فإن بنيه يكونون سعداء. فإن الرجل الذي يسلك بالكمال في مخافة الرب يعطي مثالاً لأولاده فعندما يقول لهم لا تفعلوا هذا وتلك وإفعلوا هذا وذاك فهم يعلمون أن هذه الآوامر والنواهي ليست حسب هوى الأب، ولكن هي لأنه يعطي حساباً لسلطة أعلى هي الرب. فيجب على الأب أن يذكر بنيه دائماً أن ما يعلمه إياهم هو وصايا الرب.
البعض يقع في مشكلة أن يستغل وصايا الرب في أن يجعل أولاده يطيعون ما يريده هو لا الرب. ويتحدث بإسم الرب دائماً مطالباً الأولاد بطاعة الرب في وصايا محددة ولكنه يريد في الاساس أن يستفيد هو شخصياً من طاعتهم وأن يتخلص من إزعاجهم وأن يتشرف بسلوكهم الجيد أمام الناس. وأما الرب فلا يخطر له على بال. كان الأجدر به أن يسعى لأن يكون سلوك أولاده مرضياً أمام الرب أولاً وقبل كل شيء.

يشعر الأولاد بهذا الأمر ويفهمونه جيداً. فعندما يرون الأب لا يطيع الله في سلوكياته الخاصة. يرونه يكذب، يسيئ لأمهم، يستغل من حوله، يهتم بإحتياجاته الشخصية أولاً وبعد ذلك عائلته، ويلمسون فيه الأنانية، ويجدونه في نفس الوقت يطالبهم بإسم الرب وطاعته أن يقولوا الصدق، ويحسنوا التعامل مع والدتهم، وأن يساعدوا بعضهم البعض، وأن لا يكونوا أنانيين. هذه الإزدواجية تسيئ للأولاد وتسيئ للرب وتسقط صورة الأب في عين الأولاد، وتقضي على سلطان الأب في المنزل إذ تنهار صورته أمامهم. ويستغل العدو هذا الأمر لكي يقنع الأولاد أن كل الذين ينادون بإسم الرب، مثل أبيهم، مزيفون.

الأبوة الحقة عمل شاق ومضني

وكما رأينا في المزمور في أول حديثنا حيث يحدث الروح القدس الأب ويقول له “بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ”. فالبنين مثل النباتات المغروسة. وكم يحتاج النبات من عناية ورعاية. يحتاج من يسهر عليه ويحميه من الضرر ومن يسقيه ومن يضع السماد عند جذوره، ومن يهذبه ويقطع منه كل فرع مريض.
إن السهر على الأولاد روحياً بالصلاة وبالتعليم هو أحد أهم بل وأكثر أدوار الأب حيوية وخطورة. ألم يقل الرسول أن الخادم هو “الْغَارِسُ وَالسَّاقِي… (وأن) كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ. | 1كو3: 8″ فالغروس الموجودة في بيتك يا أخي تتطلب منك أن تكون خادماً. تخدمها بالصلاة والتعليم. لقد إختفى دور الأب المعلم في المنزل. صارت العائلة تتخلص من الأولاد وتلقي بمسئولية تعليمهم الإيمان للكنيسة ومدارس الأحد. لم يكن الأمر هكذا. كم من الوقت يقابل مدرس مدارس الأحد طفلك. ساعتين أو أربعة أسبوعياً. وكم ساعة تقابله أنت؟؟ أكثر بكثير. وأما مدرس مدارس الأحد، الذي يقوم بواجبه وليباركه الرب، يكون في معظم الأحيان شاباً صغيراً لم تعتركه معارك الحياة مثلك. فالأولاد يحتاجون بالأولى لأب لا لشاب صغير في مقتبل الحياة لكي يعلمهم. يحتاجون لأب لديه السلطة أن يؤدبهم ويقومهم. ولكن مدرس مدارس الأحد مؤهل فقط لكي يكون صديقاً لهم. لهذا قال الرسول للآباء وليس للكنيسة “رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ | أف 6: 4″

إن كنت قد صرت مثالاً جيداً لهم، يمكنك الآن أن تكون معلماً لهم، تسقيهم مفردات الإيمان من الصغر. إنه عمل شاق ومضني ويحتاج منك للصلاة والسهر والتعب. ولكن لا تخف فكلمة الله تقول أن مجهوداتك سوف تلقى القبول والتقدير من الله. فيقول كاتب المزمور “الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ. الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ. | مز126: 5-6″.

فربما تتعب مع الأولاد كثيراً ولا تجد ثمراً في حينه، وتتعب أياماً وأياماً وهم لا يتعلمون، وتسهر عليهم وتحبهم وتوبخهم وتقومهم وتسر بهم، وتعلمهم مرة تلو الأخرى، وتجدهم لا يتعلمون. تقف أمام الله باكياً وحائراً ثم تذهب وتقوم بواجبك مرة أخرى أمام الرب وتعلم وتحب وتسهر وتسر وتوبخ وتقوم، وهكذاً، وأنت لا ترى ثمراً مباشراً. لكن ثق… سوف يأتي وقت الحصاد يوم أن يثمر تعبك فيهم وأن ترى سلالك مملوءة من ثمر بر أولادك.

خاتمة
نرى مما سبق أنه لكي تكون أباً صالحاً ولكي تنجح في مهمتك ينبغي عليك أن تكون إبناً جيداً. نعم، إبناً جيداً لله. دون أن تكون رجلاً صديقاً تقياً تخاف الله وتعمل وصاياه، دون أن تكون إبناً حقيقياً لله، إختبر عنايته ورعايته وحمايته وتأديبه وسروره بأولاده، لن يمكن أن تكون الأب الذي في فكر الله. قد تكون أباً جيداً في مفاهيم البشر، ولكن في مفهوم الله ستكون فاشلاً


الاخ / هاني رفعت

ليست هناك تعليقات: