الأحد، 21 أبريل 2013

راحة الله وراحة المؤمن

راحة الله وراحة المؤمن
عب (4)

انه لامر مبارك رغم كونه – من زاوية ما – امر مرعب للجسد ان يكون علينا ان نتعامل مع الله الذي معه امرنا (ع13) ومع ذلك فما اكثر ما ننسي هذا الامر او نتجاهله .. ان ميل قلوبنا الطبيعي هو ان نتخلص من وان نرهب ونخاف من محضر الله تماماً مثلنا مثل الطفل العاصي الذي يخشي عيون والده , فعلي طول الخط وفي كل الظروف واللحظات , فان الله هو الذي معه امرنا (او هو الذي يتعين علينا ان نتعامل معه) ان الناس الذين يبتغون دائماً الراحة في قضايا ثانوية ينقادون الي الالحاد العملي , وهكذا الحال – بدرجة ما 0 مع المؤمن اذا كان مسترحياً في الظروف فهو يفقد الاحساس بان عليه ان يتعامل مع الله .. لكن سواء كان من اجل البركة ام كان من اجل فائدة الضمير , يتعين علينا ان نتعامل مع الله .
هل نحن نبحث عن السعادة , اين سنجدها ؟ واين سنجد البركة التي لا يستطيع احد ان يمسها او يعوقها او يفصلنا عنها إلا عند الله ؟ فهو ليس فقط مصدر بركتنا بل هو البركة ذات نفسها , توجد في الواقع كثير من البركات الخارجية (المنظورة) ممنوحة لاولاده عرضاً , وهذه البركات يمكن ان يحصل عليها غير المتجددين , لكن قوة وتعزية وفرح المؤمن هو في هذا , انه يتعامل مع الله (او ان امره مع الله ) الله هو مصدر ومركز بركته .
ونجن بمجرد ان نتقدم حقا لأن نعرف الله , فإننا سنعرفه باعتباره الله محبة , واذ نعرف ان كل ما يأتي علينا منه بالرغمن من كوننا في البرية – بغض النظر عن المكان والظروف – فإننا سنفسر كل شئ من منظورة محبته , ربما ادعي لان اجتاز الألم والحزن والتجربة كجزء من معاملاته التأديبية والتدريبية , لكن كل ما يأتيني من عند الله يأتيني من مصدر وينبوع انا أثق فيه كل الثقة , وانا انظر من خلال التجارب الي الله , ولا شئ يستطيع ان يفصلني عن محبته .
وعندما تكون المعرفة بالله ضحلة , وعندما لا توجد الثقة في محبته سيوجد التذمر من الظروف والتبرم والعصيان , وفي مثل هذه الحالة سيكون الشعور بأن علينا ان نتعامل مع الله شعورا بالخوف اكثر منه كونه يسبب الفرح , يقول الرسول يوحنا "وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي ِللهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" (1يو 4 : 16) .
وأليس صحيحا اننا كثيرا ما نتوقف عملياً عند الظروف التي نجد انفسنا فيها , ولا نضع اعتبارا إلا لمشاعرنا ولحكمنا (أو تقديرنا) الشخصي لهذه الظروف ؟ , ان هذا برهان علي ان نفوسنا ليست عائشة في كامل الشركة مع الله , ان ما ينبغي ان يشغلنا ليس الظروف بل ماذا يقصد الله منها .
وينبغي ان يكون الضمير نشطاً كذلك , لأنه من الصحيح ايضاً اننا في ضمائرنا علينا ان نتعامل مع الله , وهذا امر مفيد جداً رغم كونه ليس بالامر المحبب "كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا"(عب 4 : 13) , وبعد كل شئ , اليس هو امراً مباركاً يا اخوتي الاعزاء انه لا يوجد شئ يمكن ان يفلت من يد الله ؟ ويالها من تعزية انه يميز أي فكر لنا قد يكون من شأنه ان يعوق البركة أو يطمس الشركة معه! ربما يكون عند شر ما مكتوم (واحد من ربوات الامور التي يمكن ان تعوق تمتعي بالله) وقد يكون هذا الشر عاملاًً في قلبي وانا غير مدرك له , وعندئذ يرسل الله ظرفاً ما يجعلني اكتشف الشر جتي يمكنني التخلص منه , اليس هذا بركة عظيمة لنا ؟! فالظرف لم يخلق الشر الذي اثاره لكنه فقط يعمل علي الشئ الذي يجده في قلبي ويجعله ظاهراً , فمن حيث ان علي ان اتعامل مع الله فلابد ان اعرف الشر الذي بداخلي الذي لم اكن اعرفه قبلاً , ولا عرفت انه موجود هناك , الله يكشف ويميز افكار القلب ونياته , فالله لا يمكن ان يستريح وهو تارك أي شئ موجود من شأنه ان يعوق محبتنا وثقتنا او يشوب راحتنا وسلامنا في شخصه الكريم , وبمجرد اكتشاف الشر ننسي كل الظروف , ولا نري في الافق الا عاقبة الرب .
ومن الطبيعي ان يبحث قلب الانسان عن الراحة ويطلبها هنا , لكن لا توجد أي راحة هنا للمؤمن , لكنه مكتوب "إِذًا بَقِيَتْ رَاحَةٌ لِشَعْبِ اللهِ!" (عب 4 : 9) ومعرفتنا بهذا الامر شئ ملئ بالبركة بقدر ما هو مشحون بالألم - الألم للجسد , الذي لأنه دائماً ينشد راحته هنا , فلابد ان يصاب بالاحباط , اما البركة فهي للروح التي لكونها مولودة من الله لا يمك ان تجد راحتها الا في راحة الله , كما هو مكتوب عن الراحة انها راحة الله نفسه "يَدْخُلُوا رَاحَتِي"(ع 3 , 5) , فالله لا يمكن ان يستريح وسط خراب الخطية , لا يجد راحته الا في كل ما هو مقدس وطاهر بشكل كامل , ولأن الله الذي لا يسترريح إلا هكذا هو محبة ويحبنا , فهو يجعلنا نفهم انه لابد ان يحضرنا الي راحته هو , الي موضع سروره هو .
لكي تعرف النفس ماهية راحة الله , وليتثبت القلب عليها ولو مرة واحدة , فعندئذ سيكون هناك فرح لا ينطق به ومجيد في أي ادراك حقيقة ان الله لا يمكن ان يستريح فيما هو اقل من استحضارنا الي شركته هو , وسيوجد عندئذ الادراك الكامل الثابت اننا لا نستطيع ان نجد راحتنا في أي موضع اخر , في الواقع توجد مباهج في الطريق , لكن في اللحظة التي فيها نجد راحتنا فيها , تصبح هذه المباهج ذاتها سماً زعافاً لنا مثلها مثل السلوي لبني اسرائيل (سفر العدد ص 11) .
وعندما تفقد النفس عملياً معرفة حقيقة ان راحتها هي في راحة الله , في اللحظة التي تتحول العين عن الراحة التي بقيت , فإننا نبدأ في البحث عن الراحة هنا , وتبعاً لذلك نصبح قلقين ومتعبين وغير مكتفين , وفي كل مرة نجد فيها شيئاً ننشد فيه راحتنا , فإن هذا الشئ عينه يثبت انه مصدر جديد للتعب والصراع لنا – مصدر جديد للتدريب وتعب القلب , ان الله يحبنا أكثر كثيراً من ان يدعنا نستريح هنا .
فهل انت مقتنع يا اخي العزيز بألا تطلب الراحة في أي موضع اخر الا في راحة الله ؟ ما هو سر التعاسة والقلب الحقيقي لمؤمنين كثيرين ؟ انه التوق الشديد للراحة هنا , فالله يصبح عندئذ مضطراً أن يؤدب وان يدرب هذه النفس وربما يسمح بظرف يؤدي الي كشف الحالة الحقيقية لذلك القلب وذلك بلمس المحور الذي تدور حوله ارادتنا , فالظروف لا تربكنا ما لم تكشف شيئاً فينا مخالف لله , وإلا فإنها سوف لا تحدث الا حفيفاً كالريح , والله يتعامل مع ما فينا مما يعوق الشركة , ويمنعنا من ان ننشد الراحة فيه هو شخصياً وحده بلا شريك , وما تأديبه الا التدريب الدائم للمحبة التي لا تستريح الأن او لا تستريح هنا لكي تدخلنا الي راحته هو . فإذا ما حطم راحتنا هنا , وإذا ما حوَّل اللحمة لنا الي سماً مميتاً فما هذا الا لكي يوصلنا الي راحته هو لكي نحصل علي ما يشبع قلبه ورغائبه هو , لا رغائبنا نحن , فهو "يَسْكُتُ (يستريح) فِي مَحَبَّتِهِ" (صفنيا 3 : 17) .
"لأَنَّ الَّذِي دَخَلَ رَاحَتَهُ اسْتَرَاحَ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا اللهُ مِنْ أَعْمَالِهِ" (عب 4 : 10) المسألة هنا ليست عن التبرير او عن راحة الضمير من جهة الدينونة , هذا كله قد تمت تسويته , "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا" (رو 5 : 19) هناك نستريح نحن وهناك يستريح الله , وايضاً "لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ" (عب 10 : 14) فالمؤمن قد وصل قبلاً الي الراحة الكلية علي عمل المسيح من جهة هذا الامر , له سلام مؤسس علي دم المسيح .
النقطة هنا تخص الذين تبرروا , الذين جاء بهم الله ليضمهم الي عائلته , فالله يدرب هؤلاء ويوّصلهم الي التمتع الكامل ببركته وراحته . فإذا كنت وأنا اب استمتع بشئ ما , فلا يمكن (إذا كنت احب ابني حقاً) إلا احب ان يشاركني ابني هذا الاستمتاع , فإذا كان هذا هو الحال معنا ونحن اشرار , فكم بالحري يكون الامر اعظم بما لا يقاس مع أبينا السماوي !! , ان ما يريده الله لنا – كما رأينا – هو ان يوصلنا الي التمتع بكل ما يستمتع به هو , وهو يجد لذته في ذلك . وقد جعلنا شركاء الطبيعة الالهية حتي نستمتع بذلك , كان العبرانيون باستمرار معرضين للسقوط في طلب الراحة هنا , او باختصار كانوا معرضين الا يحيوا حياة الايمان , والنقطة العظمي التي يركز عليها الرسول هي ان الله ليس له راحة هنا , وانه طالما وجد ما من شأنه ان يعطّل راحة محبته لا يستطيع ان يستريح , وهذا ما يبرهنه الرسول بمجموعة من الشهادات انظر (الاعداد من 3-8) فيما يختص بحالتهم الخاصة , فرغم انه يقول لهم "لأَنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ نَدْخُلُ الرَّاحَةَ" (عب 4 : 3) إلا انه لم يكن محتاجاً ان يبرهن لهم علي ما هو اكثر من ان كونهم ليسوا في الراحة الان كان لأجلنا نحن , ونحن نقرأ عن تحملهم الكثير من الصراعات والضيقات "مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هكَذَا" (عب 10 : 33) كانوا ما زالوا في ظروف احتاجوا فيها ان يقال لهم "لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ" (عب 10 : 36) ومن الواضح ان هذه التحريضات لا تتلاءم مع حالة الراحة "فلنخف" (ع1) , "فلنجتهد" (ع11) .
وقد يبدو غريباً ان يركّز الرسول لنا في احدي اللحظات علي الضمان الكامل في محبة الله وامانته , وفي اللحظة التالية يخاطبهم هكذا , "فَلْنَخَفْ، أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ وَعْدٍ بِالدُّخُولِ إِلَى رَاحَتِهِ، يُرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّهُ قَدْ خَابَ مِنْهُ" (عب 4 :1) لكن الله لا يكف ابداً عن التحذير حتي يكون هناك ممارسة للمسئولية نحة شخصه بينما نحن في مسيرتنا نحو راحته , ولو كانت القضية موضوع الحديث هي التبرير لقال لهم "لا تخافوا" , "ولا تجتهدوا" لأن المسيح عمل كل شئ لأجلكم (او نيابة عنكم) "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ" (رو 4 : 4) .
ام الخوف والاجتهاد فيبدأن عندما تكون مسألة التبرير قد حُسمت , تم حسمها الي الابد , والقاعدة المباركة التي تظهر للعيان هي ان الخوف والاجتهاد هي نتائج كوننا نتعامل مع الله , فلأن لنا الثقة الكاملة في محبة الله , ولأننا نقدّر القيمة العظيمة التي لراحة الله , فنحن نخشي كل شئ , ليس فقط الغوايات والفخاخ التي في الطريق , بل كل تحرك للجسد أو ما شابه ذلك مما قد يدخل بيننا وبين الله , البركة مضمونة في النهاية , كما يقول "لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ،" (1بط 1 : 4) لكن الضمير يقول هكذا "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (تك 39 : 9)  , اننا بالإيمان محروسون كما هو مكتوب "أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ" (1بط 1 : 5) , فالإيمان يتيقن من وجود الله , ومن هنا يأتي الخوف المقدس , نسير زمان غربتنا بخوف "وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ،" (1بط 1 : 17) .
يكتب الرسول بولس الي الفيلبيين قائلاً "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (في 3 : 13-14) ويضيف ايضاً "لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ" (في 3 : 11) هل معني هذا انه لم يَرَ يقينية النهاية , كلا بل لأنه رأي الطريق وايضاً النهاية وكل مشاكل الطريق , كان بولس يخاف بشدة من كل ما من شأنه ان يعوقه في الطريق او يؤدي به - ولو للحظة – الي طريق الانحدار (ادمان الجسد يفعل ذلك) ثم يضيف "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي مَعًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَلاَحِظُوا الَّذِينَ يَسِيرُونَ هكَذَا كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ" (في 3 : 17-19) .
أين هذا الخوف المقدس ؟ فإذ قد اعطي الوعد براحة الله فإننا نعرف نهاية المسار , "فَلْنَجْتَهِدْ أَنْ نَدْخُلَ تِلْكَ الرَّاحَةَ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ أَحَدٌ فِي عِبْرَةِ الْعِصْيَانِ هذِهِ عَيْنِهَا" (عب 4 : 11)  النعمة ستمنع هذه النتيجة , لكنها النتيجة التي سيوصل اليها الجسد وكل انشطة مشيئة الانسان وكل معترف غير متجدد .
لا يوجد دليل او شاهد علي صحة توجه القلب مثل هذا الخوف المقدس , فالإنسان غير المتجدد لا يخشي الشيطان لكنه ما لم يكن قد تقسي تماماً يرتعب من الله ارتعاباً شديداً , اما المؤمن الحقيقي فلا يخاف من الله خوف الارتعاد لكنه يرتعب من ابليس , وعندما يتكلم الرب يسوع عن خرافه يقول "وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ" (يو 10 : 5) , أي ان عندهم التوجس من كل شئ بخلاف صوت راعيهم المعروف لديهم جيداً , وفوق الكل فإن هذه الخراف تخاف الذئب لأنها مدركة لضعفها , فإذا جاء واحد ليقول لهم " النهاية مضمونة فلا تهم الوسائل » فإن هذه الخراف ستعرف ان هذا لا يمكن أن يكون هو صوت الراعى الحقيقى . . إن كل شىء من شأنه أن يشوش رؤيتنا للمجد أو أن يمنع أن تكون عيوننا بسيطة نحو الله . مهما غلا او عظمت قيمته حسب الظاهر . ينبغى الاحتراس منه لأنه سيؤدى بنا حتما الى التردى سريعا فى طريق الانحدار . عندما تكون العين بسيطة , فإن الجسد كله يكون نيراً (لو 11 : 34) . ولذلك فإن أى شر سيكتشف – كل ما يعوق العواطف من ان تكون مثبته ببساطه وموحده نحو الله . .
فالخوف والاجتهاد إذن , ليس مرجعهما الشك فى محبة الله , بل يقينية الوجود فى البرية . فالمؤمن يعرف انها "أرض ناشفه ويابسة بلا ماء " ( مز 63 : 1 ) وهذا يأتى الى محضر الله , ونفسه تشبع بشحم ودسم إذ أنها مخلوقة لترتوى من نهر لذاته (هو) . . الفداء من أرض مصر يوّصل الى البرية .. وما لم يكن الله لنا هناك فلا شىء لنا .. فلا يوجد شىء فى هذا العالم الواسع أو منه يمكن أن ينعش الانسان الجديد , كما أنه لا يوجد فى السماء شىء يغذى ويشبع الانسان العتيق .
وعندما تحتجب عنا رؤية يد الله وعينه . فلا يتبقى لنا سوى حماقتنا ورمال الصحراء من حولنا .. ربما يقول واحد لمؤمن : الراحة لذيذة فى النهاية فيجيبه: نعم لكنه لا يكفينى أن أعرف أننى فى النهاية سأكون مع الله .. فلى راحه عند الله الان إذ أنا أعرف الله الان , وأنا استمتع بمحضر الله الان , ولا يمكن أن أشعر بالشبع والاكتفاء إلا إذا كان الله لى نصيباً حاضراً (الان) , وأنا اخاف كل الخوف من أى شىء يدخل بينى وبين الله .. فبينما تكون العين مثبته على الله والنفس مستريحة عليه ..  تصبح لنا قنوات من الشركه (السعيدة) معه .
كل شىء – يا أخوتى الاعزاء – يبرهن على أن راحتنا ليست هنا . فالخوف بسبب اننى فى البرية ولى قلب معرض للابتعاد عن الله – ليس راحة. والصراع الحتمى مع ابليس ليس راحة .. والاجتهاد ليس راحة ." إذاً بقيت راحة لشعب الله " (ع9)

وإذاً فيوجد ايضاً الاجتهاد , ونشاط الانسان الجديد فى نصيبه أو دوره الخاص .. إنه لأمر هام حقاً من أجل فرحنا أن نجتهد فى مجالنا الخاص .. والكنيسة تحتاج ان تعرف أن لها نصيبها الخاص بها . دائرتها الخاصه للعمل والاجتهاد .." فِي حَرْثِ الْفُقَرَاءِ طَعَامٌ كَثِيرٌ، وَيُوجَدُ هَالِكٌ مِنْ عَدَمِ الْحَقِّ" (أم23:13) .. فعندما نكون مساكين فى الروح , ونكون مجتهدين أن ندخل راحة الله سنجد يقينية فى الغنى الذى فى المسيح يسوع لا يصل اليه ادراك الكثير من المؤمنين . اليس لنا دائرة تجد فيها حياتنا نصيبها "لاهل العالم اهدافهم التى يسعون اليها , لهم ما يشغلهم ويحتوى تفكيرهم . وأليس لحياة الله التى فينا موارد لتقوينا , وأليس لناغنى فى المسيح لنتغذى عليه " . بلى.
" لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ" (عب10:13) .. لنا دائرة فيها تمارس الحياة الالهية الممنوحة لنا خصائصها كما تجد مواردها .. للكنيسة أغراضها , وأهتمامتها وكنوزها . لها دائرتها الخاصة لحياتها . كما أن لها مجال عواطفها ومواضع اهتمامتها . بأختصار لها "عالمها" حيث يوجد الإثمار لله .. فهل لك ايها القارىء العزيز ادراكا أن لك هذا النصيب , وهل سرور نفسك هو أن تتقصى غنى المسيح.
"الصلاح الذى هو فى الله".. ان كل ما حصلت عليه من غنى المسيح هو فقط من أجل أن أصبح أكثر غنى, هو وسيلة أبلغ بها الغنى الذى لا يستغنى .
وهذا الاجتهاد المقدس فى تقصى الغنى الذى فى المسيح , يحفظنا فى حالة الاحساس الحى بما لنا فيه . وبذلك يجعل كل ما عداه بلا قيمة . وحفظ النفس مثبته على المسيح سيجعلنا قادرين على مقاومة الاغراء والخطية .. ونحن لا نحصل على القوة بإمعان التفكير فى الغرض . الذى يمكن أن يكون تجربة لنا . ليس بجعل عقولنا تطيل التفكير فيه. حتى ولو بقصد مقاومته .. (بل) إن امتيازنا هو أن نكون منشغلين بالمسيح . وبهذه الكيفية نحصل على الانتصار.. أن حريتنا هى ألا نكون فيما بعد ولا فى اى وقت آخر خاضعين (مستعبدين) للخطية . حريه أن نخدم الله بلا اى عائق من الجسد .. لست اريد حرية للجسد , بل الحرية للانسان الجديد , وهذا لكى أفعل مشيئة الاب .. ولو أن شيئاً استطاع ان يسلب الرب يسوع حريته عندما كان هنا على الارض }مع تسليمنا بأستحالة ذلك{ لكان معنى ذلك هو منعه من عمل مشيئة ابيه ..
ربما لا يكون صدى كلمات مثل "الخوف" أو"الاجتهاد" هو التعبير عن امتياز , لكنه بالحقيقة كذلك .. ولأننا كثيراً ما نفشل فى هذه الامور فهو امتياز مبارك أن نعلم أن الله يفحص القلب ويتعامل مع الضمير- أن "كل شىء عريان ومكشوف لعينى ذلك الذى معه امرنا " .. وإذا لم نحكم على انفسنا فأن الله سوف يحكم علينا. " وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ" (1كو32:11) .
وأليس من المريح للنفس , التى تحب القداسة بحق أن تعرف أن الله سيأتى ويكنس البيت لئلا تكون هناك ذرة أمر متروك من شأنه أن يؤذى عينيه أو يعطل سيرنا فى النور حيث يسكن هو .. فالقداسة تعطى المؤمن الجسارة أن يقول " اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" (مز24,23:139) .. يالها من ثقة رائعة . والله يمتحننا فعلاً بواسطة نور كلمة الله وهو يرينا الشر بالكلمة . وهذا هو الاستخدام الذى يستخدم فيه الروح القدس كلمة الله " لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (ع12) .. حينئذ يؤتى بنا الى محضر الله . كما لو كان الله يتكلم الينا , وهو يفحص قلبى حتى فى احلى شهادات نعمته .. وإذا يجعلنى اكتشف الشر . فهل يحدثنى عنه بلغة القضاء . وكأنه خطية محسوبة على "كلا" بل يقول لى : هنا أمر لا يتفق مع محبتى , أمر لا يرضى محبتى .
ولو كنا قد تأهلنا للحكم على انفسنا بكلمة الله , قد يكون هناك شىء أخر أكثر لزوماً فى طريق التأديب لكن يظل أنه من دواعى راحتنا وتعزيتنا أن الله هو الذى معه أمرنا . لنفرض على سبيل المثال . اننا كنا نبحث عن الراحة هنا وأننا فى النهاية وجدنا مكانا فى البرية جعلناه محلاً لإقامتنا فإن الله لابد أن يبدأ العمل لاقتلاعنا . إلا إذا رأى أن من الضرورى أن يتركنا لانفسنا بعض الوقت . لكى تستيقظ ضمائرنا بواسطة (بسبب) السقوط .
وإذا كانت هناك ظروف وتجارب تحير قلوبنا . دعنا فقط نقول أن الله هو" الذى معه أمرنا " وما الذى يقصده من التعامل معى؟ .. فى اللحظة التى يصل فيها القلب الى التعرف على وجود الله , ينتهى كل شىء – سيخضع القلب (لسلطانه) .. ونجد النفس فى شركة معه (مع الله) بخصوص الظروف . ويصبح كل شىء فى سلام ليست راحة أن تُفحص وأن تُجرب فتبارك اسم الله . الراحة ليست نصيبنا هنا .. لن تدعنا قداسته نستريح حيث يوجد الحزن والالم . لذلك "بقيت راحة لشعب الله" هى راحته هو . هو نفسه سيكون فيها . ونحن نستريح فيه هو .
لو عرفنا (اختبرنا) قدراً أكبر من الراحة والفرح الناتج من الامتلاء الى كل ملء محبة الله. لشعرنا بأن الظروف الحالية لا تساوى شيئاً .   لا بل ما هو اكثر من ذلك اننا لو تعمقنا ولو قليلا في ادراك مقاصده من نحونا لقلنا : ليته يتعامل معنا ليته يؤدبنا , ليته يقتلعنا كما يشاء حتي يكون لنا شركة كاملة مع محبته .
أه .. ليتنا لا نقنع بالقليل من البركة .. بالمقاييس الدنيا , او المستويات القليلة من التمتع , بل ليتنا نتقدم للامام , وليت عيوننا تتطلع الي الامام في الاتجاه الصحيح . وليتنا نسعي بقوة روح الله الي تحقيق كل ما هو لنا في المسيح عملياً .

يوحنا داربي


ليست هناك تعليقات: